شرح أبيات بم التعلل

بم التعلل – المتنبي

البيت الأول:

يقول وهو يشكو الزمان: بأيّ شيء أعلل نفسي وأجعلها تستريح وأنا لا أهل لي، بعيد عنهم، ولا وطن لي، وليس لي نديم يصاحبني في الشرب، وكذلك لا كأس لي أي انه بدون صحبة تسبب له السعادة والمتعة، ولا أحد أسكن اليه وأرتاح عنده.

البيت الثاني:

إنّ همته أعلى من أن يكون في وسع الزمان أن يبلّغه إياها، يطلب من الزمان استقامة الأحوال والزمان، والزمان لا يبلغ هذا من نفسه لأنه ربيع وصيف وشتاء وخريف.

امامنا انسان لا يستكين عقب ما حل به من مشاكل وأزمات وهو يطلب من الزمن ويعلنها صراحة بان آماله عريضة، ولا يتنازل عن حقه بالحياة الكريمة السعيدة، وهذا يفيد عدم الاستكانة واستمرارية التحدي.

الثالث البيت:

ما دمت حيا، أي أن روحك في بدنك فلا تبالِ ولا تهتم بالزمان ومصائبه فإنها تزول ولا تبقى، عش مندفعا الى الامام ولا تحسب حسابا للدهر ومشاكله.

البيت الرابع:

لا سرور دائم، وان الاحزان والانغلاق واليأس لا يمكن ان تُرجع امرًا فاتك فما عليك إلّا تضميد الجراح ومتابعة المسيرة.

البيت الخامس:

على الانسان ان يتبصر بالأمور ويحسب حساب العراقيل، وليكن سلوكه في الحياة مدروسًا، وليس كما فعل ويفعل المحبون، هم أحبوا ثم هَووا ولم يحسبوا حسابا للغدر والغادرين، ولو هم فطنوا لذلك ما أحبوا، ولا اضاعوا ايامهم في سبيل من لا يستحق ذلك منهم.

البيت السادس:

أيها الذي نقل لك خبر وفاتي (كذبًا) ليكن معلومًا لدى الجميع ان الناعين سيصلون الى النهاية، أي الى الموت.

كأنه يقول لنا هذه الأسس التي أنتمي اليها، فهو يعيش دون خوف او اكتراث بالزمن، وهو يعلم ان الخلود لا يحصل عليه أحد، ولكنه يعيش ويعيش طالما لم ينهِ حياته الموت او العدم.

البيت السابع:

يقول كم قد أُخبرتم بموتي وتحقق ذلك عندكم، ثم بان الامر بخلاف ذلك، فكأني كنت ميتا ثم خرجت من القبر.

ها هم ينقلون خبر موتي مرة بعد مرة، اما انا فكأنني انتفضت من جديد وأرمي بكفني وأقوم من قبري، وهو يعني أن اخبارهم كاذبة، فالموت الذي ينقلون اخباره ليس موتًا حقيقيًا انما هو موت وهمي، ولذلك يحق له ان يسخر لان هذه امانٍ وليست حقائق.

البيت الثامن:

يشير الى ان قومًا نعوه قبل هؤلاء وأخبروا انهم شاهدوا دفنه ثم ماتوا قبل المتنبي.

البيت التاسع:

ان الانسان يتمنى ويستطيع ان يتمنى، ولكنًّ الأمور ليست طًيّعَةً له، وربما تفاجئه بكوارث او بأحداث مؤلمة، وتلك صورة السفينة التي تتجه الى ناحية، فتهب بها رياح تحولها الى ناحية لا يريدها الرُّبان.

هذا التمثيل ناتج عن تجارب بشرية تؤكد بان امر الحياة لا يقرره الانسان بل هو قضاء وقدر.

يقول: انًّ اعدائي يتمنون موتي ولكنهم لا يدركون ما يتمنون.

البيت العاشر:

من جاوركم وعاش معكم، لا يقدر على صون شرفه وحمايته عندكم لأنه يُشتَم فلا تكترثون لشتمه، ولا تحامون عنه، وإذا رَعَت المواشي في ارضكم لا تجمع حليبا فيدر نتيجة لسوء المرعى، ويريد ان يقول: انَّ نِعَمِكم مخلوطة بالأذى، فلا يهنأ آخذها حتى يقدم لكم الطاعة والذل، وكل هذا تعريض بسيف الدولة وهجاء له.

البيت الحادي عشر + الثاني عشر:

يقول: من قَرب منكم مللتموه وكرهتموه، ومن أحبكم حقدتم عليه، أي لستم تجازون القريب ولا الذي يحبكم بما يستحقانه.

ان حظ من ينال عطاءكم المِنّة (أي انكم تعيرونه بهذا العطاء) والأذى وكأنه معاقب بالتنغيص عليه مقابل ما اعطيتموه.

البيت الثالث عشر والرابع عشر:

يريد ان يعلن سياسة التحدي والاستخفاف بطباع وسلوكيات رذيلة لدى خصومه، ويعلن لهؤلاء الخصوم انه امر مختلف عنهم.

يقول: يرافقني حلمي (صفحي وعدلي) عندما اسامح من يؤذيني إذا عُدَّ حلمي كرمًا وخُلُقًا نبيلا، اما إذا كان حلمي لأنني جبان، فإنني لا اصاحب هذا الحلم ولا اعترف به.

لا اطلب المال بالذل، كما انني لا اسعد بشيء يلطخ شرفي.

*****************************

* تسيطر على ابيات القصيدة مضامين أَمْلَتها مناسبة تأليف القصيدة، وقد تكون هذه القصيدة لينزع المتنبي عن نفسه ضغط امرين:

1) ما يسبب له الحساد والكارهون وتعبيرهم عن آمالهم البغيضة تجاهه حتى انهم يتمنون رحيله عن هذه الدنيا، فيتناقلون خبر وفاته دائما، وهم كاذبون في ذلك والمتنبي يعرف ان الموت حق، وهو مكروه عند الناس، ولكنه إذا حان فلا مفر منه ولكنه يتأذى بالشعور الساري الذي يعج كراهية وضغينة.

2) موقف الأمير الذي عرف فضله واعطاه وكافأه، ولكنه فتح اذنيه ليعطي الأقاويل الكاذبة أذنا صاغية لما يسبب الى فتور علاقته، فيعامل المتنبي معاملة جافة عازمًا عن التاريخ الحميم بينهما سابقا. ونتيجة لذلك قرر المتنبي الابتعاد عن مكان المضايقة والايذاء ورحل الى مصر بحثا عن عطاء آخر يخلو من المن والاذى. ومن هناك بعث بهذه القصيدة مُعرّضًا بسيف الدولة وهاجيًا له.